الجمعة، 7 ديسمبر 2012

مستقبل الحوسبة



ترجمة : أيمن بنحميدة  فريق عمل مترجم

يود العلماء الإعتقاد بأن المقياس الحقيقي لفهمنا هو قدرتنا على تنبؤ شيء ما، أو السيطرة عليه كما في الفيزياء التجريبية. عادت جائزة نوبل في الفيزياء لهذه السنة إلى سارج هاروش و دافيد واينلاند لسيطرتهم على العالم الكمومي سيطرة لم نكن لنتخيلها إلى وقت قريب. عندما أتحدث عن السيطرة على العالم الكمومي فإني لا أعني فقط السيطرة على الحركة الفيزيائية لذرة واحدة بل أيضاً الحالة الداخلية لتلك الذرة. هذا هو الفرق بين أن تكون قادراً على تفجير إنهيار جليدي، والتحكم في كل ندفة ثلج بعد تحرّك الإنهيار الجليدي. 

يسمح لنا هذا المستوى من التحكّم الدقيق بإستعمال الحالات الداخلية للذرّات و الأيونات و الفوتونات كنواقل معلومات مماثلة للبِتات (Bits) في الحواسيب الحالية. مما يعني بأنه سيمكن لنا القيام ببعض العمليات الحسابية التي كانت مستحيلة من قبل. و سنستطيع قريباً بفضل الحوسبة الكمية إختراع أشياء لم نجرؤ على اختراعها من قبل. 

إن الهدف الأساسي من البحث الكمومي هو السعي وراء التحكم و السيطرة و لهذا السعي قصة طويلة. وعلى كل حال فالتكنولوجيا في جوهرها محاولة لفهم أفضل للطبيعة و التحكم فيها. فأول المحركات البخارية مثلاً كانت نتاج هندسة خلاقة مستوحاة من فهم بسيط لمفاهيم الحرارة و الطاقة و الضغط و درجات الحرارة. و قد دفعت بنا الرغبة في إنتاج محركات بخارية أقوى و ذات كفاءة أعلى إلى فهم أكثر لهذا الجانب من الطبيعة و بحثه و تطويره. و مع هذا الفهم، أتى التحكم في السلوك الحراري لمجموعات من الذرات أو الجزيئات. 

إن الثورة القادمة و التي بدأت تحدث أمامنا مدفوعة بالتحكم المطلق في الإلكترونات و الذرات و جسيمات الضوء و الأيونات. و إن جائزة نوبل لهذه السنة تعترف بآخر إنجاز في محاولات الإنسانية للتحكم في الطبيعة و التنبؤ بها. سأتجنب الغوص في التفاصيل العلمية، و لكن لفهم ما قام به هاروش و واينلاند تخيلوا أرجوحة. لدى الأرجوحات إيقاعها الخاص الذي يجعلها قابلة للتنبؤ. و لكن الأرجوحات الكمومية التي يعمل عليها هاروش و واينلاند حساسة جداً فأدنى نسيم يمر سيزعجها. فبإختصار هذه الأرجوحات إن تُرِكت لحالها غير قابلة للتنبؤ و لن تدوم طويلاً، فبعد بدئها بالحركة ستتوقف الأرجوحة الكمومية سريعاً . 

ما قام به هاروش و واينلاند هو إيجاد طرق ليس فقط لجعل الأرجوحات الكمومية تستمر في حركتها بل أيضاً لجعلها قابلة للتنبؤ على المدى الطويل. إن الحديث عن المستقبل أمر خطير و لكن في هذه الحالة يبدو العلماء متفقين حول أُفق هذا البحث : تكنولوجيا المعلومات الكمومية. حيث يمكن استغلال القوانين الكمومية التي تحكم سلوك الضوء و المادة في إنتاج تكنولوجيا جديدة. ومن التطبيقات الأولى لذلك أنه يمكنك ضمان أمن بياناتك الخاصة بإستعمال توزيع المفاتيح الكمومية حيث تقوم قوانين الميكانيكا الكمومية بخلق كودات لتشفير آمن للبيانات.

و لكن هذا يعتبر ضئيلاً أمام ما هو قادم : الحواسيب الكمومية. حيث ستشع هذه الأخيرة بطرق لم تكن جلية من قبل. فمثلاً قوة الألياف التي تشكل سترتك المكونة من مزيج من القطن و البوليستر تحددها الميكانيكا الكمومية التي تحكم الذرات و الجزيئات التي تكونها. و لكن من الصعب التنبؤ و التحكم بقوة مصنوع ما في الوقت الراهن. فالمواد التي لدينا حالياً مزيجٌ من بحث مخبري دؤوب و من بصيرة خلاقة و من حظ أعمى. و لكن الحاسوب الكمومي سيغير كل هذا. 

إن عدم إمكانية التنبؤ لا تعود إلى قصور الميكانيكا الكمومية بل إلى قصورنا عن حل الرياضيات المستعملة في وصف السلوك الكمومي. فليست لدينا الأدوات لذلك. حيث لا يستطيع أقوى حاسوب في العالم أن يحسب خاصيات أبسط الجزيئات. و لكن الحواسيب الكمومية لها القدرة على تغيير ذلك. 

تخيلوا عالماً حيث يستطيع كيميائي أن يستعمل حاسوباً لتصميم جزيئات ذات خاصيات معينة. بحاجة إلى بلاستيك يتحلل حيوياً إلى منتجات حيوية غير مضرة ؟ دعني أراجع حاسوبي الكمومي Q2000 و أرى ما يمكن تصميمه. أو تخيلوا أنكم إكتشفتم بروتيناً جديداً ذا خواصٍ غريبة. فالحاسوب الكمومي سيستطيع أيضاً أن يقدم على الأقل بداية تفسير.

هذا هو الوعد المتألق لمستقبلٍ ذي حواسيب كمومية. إنه مستقبل يصنعه أعظم الفيزيائيين التجريبيين لعصرنا الحاضر ولكنه أيضاً مستقبل البيولوجيين و الكيميائيين. 

كوني عالماً، أحب فكرة التعرف أكثر على البروتينات و المواد. ولكني أعتقد أن غيري سيحب الفكرة أيضاً. فمواد ذات صلابة أكبر ستزيد من طول عمر الأدوات : من لم ينظر بخوف شديد إلى بلور الهاتف الخلوي و هو يتكسر بعد سقوطه ؟ الدهانات ستحافظ على ألوانها لمدةٍ أطول و ستكون أكثر مقاومة للكسر. ستأتي المنتجات في مغلفات أكثر حماية لمحتوياتها و أكثر ملاءمة للبيئة. 

في الوقت الحالي، العلم محدود بما يمكن له وما لا يمكن له التحكم فيه. فإذا لم يستطع العلماء التحكم في شيءٍ ما لن يستطيعوا استغلاله. و لكن الحواسيب الكمومية لها القدرة على إطلاق عنان العلماء الذين ستحدهم فقط قوانين الطبيعة و خيالهم الخاص. الطريق مازال طويلاً ولكننا قد بدأنا نخطو خطوات كمومية صغيرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق